الاستبداد أهم سبب لهزيمة الأمة:
تمر أمتنا العربية والإسلامية بمنعطف شديد الأهمية في تاريخها، وهي تسعى عازمة للخروج من حالة التخلف التي فرضها الاستعمار بأيدي الحكومات الاستبدادية على الأمة، حيث استخدم المستبدون أقصى وأقسى درجاتِ القَسْوة والطَّيْش للسيطرة على الأمة والإبقاء عليها في حالة تأخر وتخلف، ووقف هذا الاستبداد على رأس أسباب الانهيار التي حالت في السابق دون تبني الأمة مشروعا حضاريا أخلاقيا عناوينه الأساسية: الحرية والديمقراطية والتقدم العلمي والاستقلال الوطني.
في ظل الاستبداد عانت الأمة من الحكامِ الذين ساقوا الأمةَ بأهوائهم وآرائهم إلى التخلف والسقوط، وأشعلوا نيران الفتن الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الواحد؛ ليضمنوا بقاء الشعب متخلفا علميا، متفككا اجتماعيا، محروما اقتصاديا، ومن ثم بعيدا عن التفكير في الديمقراطية والحرية السياسية والنهضة الحضارية باعتبارها ترفا غير مناسب.
وكان من البدهي أن يرحب الاستعمار والمشروع الصهيو أمريكي بهؤلاء الحكام، وأن يسعى لتمكينهم من إضعاف الأمة، وأن يغريهم بالتصدي لمحاولات الإحياء والنهوض التي يمكن أن تحرر الأمة من قيود التبعية للغرب، أو أن تهدد مصالحه في استغلال ثرواتها والهيمنة عليها، أو تحول دون تمكين الصهاينة من تحقيق أهدافهم في بلادنا.
انبعاث ثورات الربيع العربي:
ورغم تلك الجهود والضغوط الهائلة فإن روح الإيمان والثورة في الأمة قد أبت إلا أن تنبعث قوية تزلزل أركان الطغيان، وتسعى للتخلص من إرثه الأثيم الثقيل، وتبعث الأمة للقيام بدورها الحضاري الذي يسعى للتواصل والتعايش الإيجابي المتوازن مع كل الأمم والثقافات المتنوعة، ولتقدم صورة عملية حقيقية عن جوهر الحضارة الإسلامية المتسامحة، والمنفتحة على الآخرين، والمستقرة على تقديم المبادئ على المصالح، وتغليب القيم الإنسانية الرفيعة على المكاسب المادية الزائلة، ولتسهم بدورها في تحقيق السلام العالمي على كوكبنا الذي أرهقته الحروب والمظالم.
ثورة مضادة:
بالطبع لا نتصور أن أركان الاستبداد ورعاته في الداخل والخارج سيعودون لرشدهم، ويتوافقون ببساطة مع هذا المشروع الحضاري الرائد، مع ما فيه من خير لهم وللإنسانية بشكل عام، لأنهم اعتادوا على التميز والاستعلاء، والنظر باستخفاف لشعوبنا وأمتنا، ولذلك تنكروا لكل ما يعلنونه ويفاخرون به من إيمان بالحرية وقيم الديمقراطية والتعددية، وبذلوا ويبذلون جهودا جبارة ومتكاملة لإيقاف هذا الانبعاث الثوري، بنفس الأساليب القديمة، وهي دعم البطش والقسوة الأمنية، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وتعميق معاني الفرقة والكراهية بين أفراد الأمة وتياراتها السياسية والوطنية، والدفع باتجاه الحروب الأهلية والفوضى الخلاقة، ودعم ومساندة قوى الفساد الذين يكرهون الإصلاح عموما، والإصلاح القائم على أساس إسلامي خصوصا.
وها نحن نرى آثار ذلك واضحة في الانقلاب العسكري الدموي على الثورة المصرية، وتبرير العصف بكل قيم الديمقراطية والإنسانية، والاستسلام لزيف دعاوى محاربة الإرهاب، وغض الطرف عن سيل الدماء والانتهاكات اللاإنسانية غير المسبوقة الذي جرى ويجري من الانقلاب ضد أصحاب الرأي والفكر الوطني الحر.
ونرى آثار ذلك واضحة في المواقف المترددة والمائعة في مواجهة آلة القتل البعثي البشعة في سوريا، والتي لم تتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية والمحرمة دوليا في قتل السوريين، الذين من أفلت منهم من الكيماوي والبراميل المتفجرة فإنه يقع أسير الموت من الجوع والتشرد، دون أن يطرف لما يسمى بالمجتمع الدولي جفن، بل يبررون موقفهم المتخاذل بوجود عناصر متطرفة بين صفوف المقاومة السورية!.
ونرى آثار ذلك واضحة في التعامل مع الملف العراقي، إذ سكت العالم كثيرا على الاستبداد العنصري الدموي الذي مارسته الحكومة الطائفية، حتى هب الشعب ثائرا لحريته ورافضا لاستمرار سيل المظالم الواقعة عليه، وبدلا من مطالبة الظالم بكف ظلمه والاستجابة لحقوق الشعب؛ تتعالى الأصوات بتشويه الثورة العراقية بادعاء نسبتها إلى هذا الفصيل أو ذاك، حتى يوجدوا مبررا أخلاقيا لمحاربتها بدعوى مواجهة الإرهاب، ويتداعى المفسدون من المستبدين في الداخل العراقي والداعمين لهم في الخارج لإثارة النعرات المذهبية لإضعاف الثورة الشعبية العامة.
ثورة مستمرة حتى تحقيق الحرية والعدالة والكرامة:
في ضوء كل هذا فإننا نقول وبكل وضوح وبأعلى صوت، ليسمع كل من له أذنان، ويعي كل من له قلب: إن ثورة الأمة ماضية في طريقها نحو تحقيق إرادتها الحرة وكرامتها العزيزة، وإقامة مشروعها الحضاري الرائد المتسامح والمنفتح على العالم والساعي لاستقرار السلام العالمي، وندعو كل أصحاب الضمائر الحية والمخلصين والمحبين لأوطانهم من أبناء أمتنا على اختلاف مواقعهم في السلطة ومواقفهم في السياسة إلى الاستماع لصوت الشعب الثائر، والتجاوب مع مطالب الثورة العادلة، والتوافق مع آمال شباب الأمة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وقد مضت سنة الله بنصر أهل الحق المستضعفين على المستبدين المستكبرين ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾.
أما أصحاب الثورات المضادة وداعموهم فإنهم لم يعوا دروس التاريخ، ولم يدركوا حجم المتغيرات والحقائق التي يفرضها واقع الحال لدى شباب الأمة الحر الذي يصر على امتلاك حريته وكرامته مثل كل أحرار العالم. فليعلموا أن الثورات إذا انبعثت لا تهدأ حتى تصل إلى غاياتها، وأن من الخير لهم أن يراجعوا مواقفهم ويمتثلوا لإرادة الشعوب، قبل أن يضطروا إلى مغادرة مواقعهم من حيث لا يحتسبون وإلى حيث لا يرغبون.
وأما الثوار فإننا ندعوهم إلى تمتين أواصر الوحدة فيما بينهم، وتفويت الفرصة على من يريد بث الفرقة وإشاعة الكراهية وتقوية الحاضنة الشعبية لثورتهم، ورفض كافة دعوات التمييز بين أبناء الشعب الواحد، والاستعانة أولا وأخيرا بالله القوي القادر ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون﴾.
والله أكبر ولله الحمد.
رسالة الإخوان المسلمين.. الكلمة الأخيرة للشعوب الحرة
Tiada ulasan:
Catat Ulasan