Ahad, 27 Oktober 2013

حقوق أبناء الشهداء والمعتقلين في سبيل الله

ليس طريق الدعوة إلى الله عز وجل مزروعاً بالورود أو مفروشاً بالحرير، أو أنه طريق المترفين والمنعمين بزخارف الحياة الدنيا, ولكنه محفوف بالمكاره والفتن والابتلاءات، ومليء بالأشواك والصعوبات والأخطار، ويتعرض من يسير فيه إلى السجن أو الاعتقال أو الاستشهاد أو الفصل من عمله أو عدم الترقية أو النقل, أو تعطل مصالحه وأعماله، كما يفتش بيته أو متجره أو مكتبه وتصادر محتوياته وأمتعته وأمواله ويُعتدى على زوجته وعلى أبنائه ووالديه.. وهذه تضحيات لابد منها لنصرة دين الله عز وجل. كما تتعرض زوجة من يدعو إلى الله وأولاده وآبائه وأقربائه كذلك لهذا الابتلاء، حيث يثار فيهم الرعب والفزع والقلق والاضطراب، ويختل استقرار وتوازن الأسرة من واجبات نحو الأبناء، ويؤدي هذا إلى مصاعب ومشكلات في بيوت الشهداء والمعتقلين، وهي تضحيات عزيزة يقدمها هؤلاء ومنهم الأبناء للتمحيص والاختبار وامتحان درجة الإيمان والتقوى، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: (الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3}) ( العنكبوت). ويقول الله تبارك وتعالى أيضاً: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ {214}) (البقرة). ويقول: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}‏) (آل عمران]. ولقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " ( رواه الترمذي). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن عِظَمَ الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" (رواه الترمذي). ويقول أيضاً: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة" (رواه ابن ماجه). ويجب على الأولاد و الأهل وغيرهم الرضا بقدر الله عز وجل حتى تتحول المحنة إلى منحة ربانية، فالابتلاءات من سنن الله عز وجل للذين يسيرون في طريق الدعوة إليه بصدق وإخلاص, وليستشعروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن, إن أمره له كله خير, وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر, فكان خيراً له" (رواه مسلم). الحكمة المشروعة من الابتلاءات: يتساءل كثير من الناس ومنهم الأبناء والآباء وذووا القربى وغيرهم: - لماذا يعرّض الذي يدعو إلى الله عز وجل نفسه وآباءه وأبناءه وإخوانه وزوجته وعشيرته وأمواله وتجارته ووظيفته ومسكنه لمثل هذه الابتلاءات؟ - لماذا حُف طريق الدعوة إلى الله عز وجل بالابتلاءات؟ - لماذا يقوم ولي الأمر بمعاداة واضطهاد وإرهاب من يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟ إن نصرة دين الإسلام تحتاج إلى جهاد، والجهاد في سبيل الله عز وجل يحتاج إلى تضحية عزيزة، وإن عائد هذه التضحية هو النصر حتى يحيى الإنسان عزيزاً مكرماً مرفوع الرأس, وينتشر الإسلام لتسعد به البشرية جمعاء، وهذا ما وعدنا الله عز وجل به ورسوله، كما أن عائد هذه التضحية بالنفس (الاستشهاد) هو الجنة، ولقد أكد الله عز وجل على ذلك فيقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {142}) (آل عمران)، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" (رواه البخاري)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء" (رواه الترمذي). كما أن هذه 
التضحيات على اختلاف أنواعها كفارة للذنوب والخطايا وما أكثرها. وليطمئن الأبناء والأهل والعشيرة أن ما يصيبهم من ألم وهم وغم وحزن وأذى بسبب استشهاد أو اعتقال الأب أو الزوج أو قريب أو صديق.. هو في سبيل الله، وأي شيء في سبيل الله يهون إذا ما قورن بالجزاء الأوفى من الله تعالى، وعليهم أن يستبشروا بما وعده الله ويرضوا بذلك حتى يرضى الله عنهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه, حتى الشوكة يشاكها" (رواه مسلم), ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"... ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة... " (رواه مسلم والترمذي). من ابتلاءات أبناء الشهداء والمعتقلين: عندما يستشهد أو يعتقل الأب ويؤخذ من بين أبنائه المستيقظين منهم والنائمين 
والحاضرين منهم والغائبين، البعيدين منهم والقريبين، يترك أثراً حزيناً أليماً في نفسيتهم يظل في مخيلهم لا ينسونه أبداً مهما قدم لهم من مباهج الحياة وزينتها، وهذا أمر يستطيع أهل العلم والاختصاص في تربية الأطفال وعلم النفس أن يحللوه ويقيموه ويبينوه، إن هذا الموقف يترك غصة في صدورهم يتولد عنها العديد من التوهمات ولاسيما الصغار منهم ذكوراً أو إناثاً. ويتساءل الأبناء لماذا: قتلوا أبانا أو اعتقلوه؟ و لماذا هذا التعذيب المادي والمعنوي؟ هل لأن والدهم يدعو إلى الله؟ ويدعو الناس إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ ويتعجب هؤلاء الأبناء ويقولون: إن الله عز وجل أمر المؤمنين بذلك في القرآن الكريم بقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104}) (آل عمران), لماذا يقتل أو يعتقل من ينفذ أمر الله؟! ويستطردون القول بأن واجب ولى الأمر في الإسلام أن يدعو إلى الله ويطبق شريعته، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41}) (الحج). وتظل هذه التساؤلات حائرة تحتاج إلى إجابات شافية، كما تحتاج الآلام إلى من يزيلها: إن الإجابة تتركز في أن يفهم الأبناء أن الاستشهاد والاعتقالات وغيرها من التضحيات هي سبيل المؤمنين، وهي سنن الله في خلقه، ولقد ابتُلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنبياء والرسل والخلفاء الراشدون وأولياء الله والعلماء ومن ساروا على نهج هؤلاء جمعياً بإحسان وثبات وصبر، وهذه نفحات من الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة" (رواه مسلم والترمذي). ومن مسؤولية كل مسلم أن يخفف من آلام أبناء الشهداء والمعتقلين، ويبين لهم بأن هذه الابتلاءات والتضحيات ترفع المنزلة والدرجة عند الله عز وجل، فإذا ابتُلي المؤمن فصبر واحتسب أجزل الله له الأجر، ويكفر لهم من السيئات والخطايا، وتكون العاقبة خيراً.. ومن المستحب في مثل هذه الحالات أن نقص على الأبناء نماذج من القرآن بما كافأ الله به المبتلين الصابرين المحتسبين؛ مثل قصة سيدنا أيوب وزوجته، وقصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، وما حدث لأم سليم زوج أبي طلحة... إن هذه القصص تخفف من آلام وأحزان الأبناء . من تضحيات أبناء الشهداء والمعتقلين: يتعرض أبناء الشهداء والمعتقلين لتضحيات عزيزة، بخلاف الاستشهاد والحرمان من مشاهدة والدهم والفزع والرعب والخوف والقلق النفسي ونحو ذلك, فهم يعانون أيضاً من صعوبات في قضاء مصالحهم وشراء حاجاتهم، وفي حل المشكلات الحياتية وإزالة الصعوبات في سبيل الحياة الكريمة، كما يحرمون من البيت الآمن الذي فيه الحب والمودة والعطف والحنان، وما أعز هذه التضحيات. وهذه التضحيات تلقي مسؤوليات على المسلمين باعتبار أن الشهداء والمعتقلين إخوة لهم في الله، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات: 10), وشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالجسد الواحد فقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (رواه مسلم). فما هذه المسؤولية؟ وكيف نؤديها؟ وما جزاء المقصر في أدائها؟ هذا، ما سوف نتطرق إليه بإيجاز في ضوء الواقع الحي، ومن التجارب العملية، ووفقاً لفقه التكافل الاجتماعي. مسؤولياتنا نحو أبناء الشهداء والمعتقلين: يعتبر الأب قوام البيت، وأحد قواعده الأساسية، وعندما يستشهد أو يعتقل يحدُث خلل ونقص سواء في الجوانب المادية وفي الجوانب الروحية (العاطفية)، وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على الناس جمعياً من أول ولي الأمر حتى المسلم الذي لا تربطه بالشهيد أو بالمعتقل إلا رابطة الإسلام والإيمان، بأن يساعدوا أبناءه ويعاونوهم على الحياة مثل أبناء المسلمين، وذلك أضعف الإيمان،
وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (رواه البخاري ومسلم)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "إن لله عباداً اختصهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله" (رواه الطبراني). إن مساعدة ومعاونة أبناء الشهداء والمعتقلين وقد جاؤوا إلينا لقضاء حوائجهم وهذا ليس منة أو هبة من أحد عليهم، بل هي من الموجبات الشرعية وحكمها الوجوب، ومن لم يفعل ذلك فهو آثم وفقاً للقاعدة الشرعية: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فقد ورد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته ويحوط من ورائه" (رواه أبو داود)، فإذا قام المسلمون بهذا الواجب فهم شركاء في الثواب من الله تعالى. إن على المسلمين جميعاً أن يخلفوا أهل الشهداء والمعتقلين بخير، حتى يكتب لهم الله من الثواب ما يكتبه للشهداء وللمعتقلين، ويؤمنوا بأن الابتلاء من قدر الله عز وجل، ولقد أشار الله إلى ذلك في سورة الملك بقوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) (الملك). (*) أستاذ بجامعة الأزهر
 DARI: hak hak anak2 syuhadak dan pejuang2 didalam penjara
http://www.magmj.com/index.jsp?inc=5&id=14553&pid=4176&version=226
  

Tiada ulasan:

Catat Ulasan